معقِبات : أي تعاقب الملائكة ليلاً ونهاراً يتتبعونه يحفظونه ويحصون أعماله .
قال الله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً " (سورة الإسراء 70 ) .
وهل هناك تكريم لبني آدم أعظم من أن يعد لهم مقومات حياتهم قبل أن يخلقهم ؟ لقد رتب لهم الكون وخلق من أجلهم الأشياء ، " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " (سورة البقرة 29) .
إذن : فكل ما في الوجود مسخَر لكم من قبل أن توجدوا ؛ لأن خلق الله تعالى إما خادم أو مخدوم ، وأنت أيها الإنسان مخدوم من كل أجناس الكون حتى من الملائكة ، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى :" له معقِّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " (سورة الرعد 11) .
معقِبات : أي تعاقب الملائكة ليلاً ونهاراً يتتبعونه يحفظونه ويحصون أعماله .
فالكون كله يدور من أجلك وفي خدمتك، يعطيك عطاء دائماً لا ينقطع دون سعي منك ، لذلك نقول : كان من الواجب على العقل المجرد أن يقف وقفة تأمُل وتفكُر : ليصل إلى حل للغز الكون ، وليهتدي إلى أن له خالقاً مبدعاً ، يكفي أن أنظر إلى آيات الله التي تخدمني ، وليس لي قدرة عليها ، وليست تحت سيطرتي ، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والهواء والملء والمطر والسحاب كلها تعطيني وتمدني دون قدرة لي عليها ، أليس من الواجب عليك عدلاً أن تقول : من الذي أعد لي كل هذه الأشياء التي ما ادَعاها احد لنفسه ؟
نضرب مثلاً بالرجل الذي انقطعت به السبل في الصحراء حتى أشرف على الهلاك ، فإذا بمائدة معدة بأطايب الطعام والشراب ، أليس حرياً به قبل أن تمتد يده إليها أن يفكر كيف أتته ؟
إذن : كان على الإنسان أن يعمل عقله وفكره في معطيات الكون التي تخدمه وتسخر من أجله ، وهي لا تأتمر بأمره ولا تخضع لقدرته .
وقد اختلف العلماء في بيان أوجه التكريم في الإنسان ، فمنهم من قال : كُرٍم بالعقل ن وآخر قال : كُرٍم بالتمييز ، وآخر قال : كُرٍم بالاختيار ، ومنهم من قال : كُرٍم الإنسان بأنه يسير مرفوع القامة لا منحنياً إلى الأرض كالبهائم ، ومنهم من يرى أنه كُرٍم بشكل الأصابع وتناسقها في شكل بديع يسمح له بالحركة السلسة في تناول الأشياء ، ومنهم من يرى أنه كُرٍم بأن يأكل بيده لا بفمه كالحيوان. وهكذا كان لكل واحد منهم ملحظ في التكريم .
والصحيح الذي يُعوَّل عليه كما قال القرطبي أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف ، وبه يُعرف الله ويُفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله .
ولنا في مسألة التكريم هذه ملحظ كنت أود أن يلتفت إليه العلماء، ألا وهو : أن الحق سبحانه وتعالى خلق الكون كله بكلمة (كُنْ) إلا آدم ، فقد خلقه بيده ونفخ فيه من روحه ، قال تعالى :" يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " ( سورة ص 75)
وقال :" فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " . (سورة الحجر 29)
فقمة الفضل والتكريم أن خلق الله تعالى أبانا آدم بيده ، فسبحان الله العظيم .